كتبت وكالة الصحافة الفرنسية أن قاطف الياسمين المصري وائل السيد ظل لسنوات يجمع الأزهار ليلاً في دلتا النيل، ليمد كبرى بيوت العطور العالمية بمكوناتها الأساسية، لكن في السنوات الأخيرة بدأ سلة حصاده تفرغ ورائحة الأزهار تخفت.

ونقلت صحيفة ديلي صباح عن الوكالة أن السيد، البالغ 45 عاماً، يعزو ذلك إلى ارتفاع الحرارة الذي قلّص إنتاج أزهار الياسمين وأضعف عبيرها. فبينما كان يجمع ستة كيلوجرامات يومياً، لم يعد يتجاوز حصاده اليومي اثنين أو ثلاثة. في قرية شبرا بلولة شمال القاهرة، حيث يشكل الياسمين مصدر رزق لآلاف العائلات، تهدد موجات الحر والجفاف والآفات المناخية هذا الإرث الممتد لأجيال.

اعتادت العائلات منذ عقود الخروج بين منتصف الليل والفجر لقطف الأزهار في ذروة عطرها، لكن انخفاض المحصول أجبر كثيرين على الانسحاب من المهنة، فيما يعمل الباقون لساعات أطول، وأدخلوا أطفالهم إلى الحقول. دراسة رسمية عام 2023 قدرت عدد الأطفال العاملين في مصر بـ 4.2 مليون، كثير منهم في ظروف غير آمنة.

السيد اصطحب هذا العام ولديه، تسعة وعشرة أعوام، ليساعداه مع زوجته في قطعة أرضهم الصغيرة البالغة 350 متراً مربعاً. يقول: "ما عندناش حل تاني".

وفق بيانات شركة "فخري وشركاه"، أكبر مستخرج للزيوت العطرية من الياسمين في مصر، تنتج البلاد نحو نصف "خرسان الياسمين" في العالم، وهي مادة شمعية أساسية في صناعة العطور. في السبعينيات وصل الإنتاج إلى 11 طناً سنوياً، لكنه انخفض اليوم إلى 6.5 طن فقط.

يؤكد علي عمارة (78 عاماً)، الذي قضى عمره في الحقول منذ كان في الثانية عشرة، أن الحر كان موجوداً "لكن مش زي دلوقتي". بينما يرى المزارع محمد بسيوني (56 عاماً) أن محصوله مع أبنائه الأربعة انخفض للنصف، من 15 إلى سبعة كيلوغرامات، وصار ملء السلة يستغرق أكثر من ثماني ساعات.

الباحث كريم الجندي  أوضح أن حرارة الصيف المرتفعة تضعف التزهير وتقلل تركيز الزيت العطري. تقرير للوكالة الدولية للطاقة عام 2023 أظهر أن متوسط حرارة مصر ارتفع بمعدل 0.38 درجة مئوية لكل عقد بين عامي 2000 و2020، متجاوزاً المتوسط العالمي. ومع ضعف الرائحة، يتراجع سعر الزيت، بينما تتكاثر آفات مثل العناكب والديدان في الظروف الأكثر حرارة وجفافاً.

المدير بدر عاطف في شركة "فخري وشركاه" أكد أن جودة الزيت تضررت بفعل المناخ. أما ألكسندر ليفيه، الرئيس التنفيذي لشركة عطور فرنسية في مدينة جراس، فقال إن عشرات المكونات الطبيعية حول العالم تعاني بسبب التغير المناخي، ما يدفع الصناعة للبحث عن مصادر بديلة.

إلى جانب الحرارة، تواجه دلتا النيل خطر ارتفاع مستوى البحر المتوسط وزيادة ملوحة التربة، مما يضاعف هشاشة المزارعين. الباحث الاجتماعي صقر النور يرى أن هؤلاء العمال يقفون "تحت رحمة نظام ضخم بلا حماية ولا دور في صناعة تعتمد على عملهم".

المفارقة أن العلامات التجارية العالمية تبيع زيت الياسمين بما يصل إلى 6,000 دولار للكيلوجرام الواحد، بينما يتقاضى القاطف المصري نحو 105 جنيهات (قرابة دولارين) فقط للكيلوجرام. يحتاج طن من الأزهار لإنتاج 2–3 كيلوجرامات من الخرسان العطري، وأقل من نصفها يتحول إلى زيت عطري يكفي لصناعة مئة زجاجة عطر.

السيد يشتكي قائلاً: "المية جنيه دلوقتي ما تسواش حاجة"، في ظل انهيار قيمة الجنيه المصري الذي فقد أكثر من ثلثي قيمته منذ 2022 وارتفاع التضخم بشكل غير مسبوق.

العام الماضي نظم القاطفون إضراباً نادراً للمطالبة برفع سعر الكيلوجرام إلى 150 جنيهاً. لكن الشركات الخاصة التي تحتكر السوق منحتهم زيادة عشرة جنيهات فقط، ما جعل دخولهم تتراجع عاماً بعد عام، بينما يهدد تغير المناخ أساس معيشتهم.

الجندي يحذر من أن قرى كاملة قد تفقد قدرتها على البقاء، إذا استمرت الظروف الحالية التي تجعل الزراعة مرهقة وغير مجدية. وبينما تبقى العطور في أسواق العالم رمزاً للفخامة، يظل المزارعون المصريون في قلب دلتا النيل يدفعون ثمن عبيرها بأجسادهم وأطفالهم ومستقبل قراهم.

https://www.dailysabah.com/life/environment/world-smells-sweet-but-egypts-jasmine-farmers-pay-price